مقايضة ميناء الحديدة بالمرتبات .. هل هذه الأمم المتحدة التي نعرفها..؟
يمنات
عبد الخالق النقيب
أثار المبعوث الدولي إلى اليمن موجة واسعة من الغضب والانتقادات عقب إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، باعتبارها خطوة صادمة وليس لها علاقة بأي دور أممي أو مهمة إنسانية من شأنها إنهاء الحرب، ثم منذ متى والتحالف السعودي العسكري يستقيم للمبادرات الأممية حتى تتملكه الثقة بضمان تطبيق مبادرته الأخيرة بخصوص ميناء الحديدة الذي يهدد التحالف باقتحامه..؟! ويسعى بدوره لإبعاد شبح الهجوم على الميناء، بطريقة يعتريها الكثير من التناقض ومربوطة بمدى قبول الأطراف لها..!
الأولوية هي في الأساس لوقف الحرب، ثم الذهاب إلى المفاوضات، غير أنه من الواضح أن ولد الشيخ تخلى عن تبني خارطة طريق تقود لإعلان هدنة مفتوحة وتدفع نحو البدأ الفوري بخوض عملية سياسية ومرحلة جديدة من التفاوض، وليس الانخراط في تبني مبدأ المساومة المكشوفة، والتحول إلى تقديم نتائج وحلول جاهزة و جزئية..! ثم البناء عليها فيما يتعلق بمستقبل ميناء الحديدة وإقحامه في متاهات وأبجديات الصراع ما يمثل عقاباً جماعياً يمس اليمنيين بدرجة مباشرة وكارثية..!
ولد الشيخ الذي شكر المملكة السعودية وأثنى على جهودها “ليس لها جهود غير الجهود الحربية”، ذهب لتقديم مقترح من شقين الأول “عسكري” يتم بموجبه تسليم ميناء الحديدة إلى طرف ثالث مالم ترفع المسؤولية الأممية يدها عن أي دور عملياً في إثناء “تحالف عاصفة الحزم” عن الهجوم العسكري على ميناء الحديدة، والثاني “اقتصادي” هيمنت عليه لغة الابتزاز والمقايضة فإما أن يتم تحصيل إيرادات الميناء للجنة مشكلة وإما أن تتحول ذريعة لمعاقبة اليمنيين والاستمرار في إيقاف المرتبات المنقطعة منذ انتقال البنك المركزي إلى عدن قبل ثمانية أشهر تحت مبررات شبيهة..!
كيف يمكن لطرفي صنعاء الرضوخ لحلول جاهزة ظلت المعارك الدائرة على امتداد الساحل الغربي هي الكلمة الفصل فيها، وكيف يمكن إقناع “شرعية هادي” الحليف الممول لهذه الحرب بأنها تتلقى المعونات وتستقبل ما يزيد عن 80% من إيرادات الدولة المتمثلة في النفط والغاز وغيرها..؟! ولم تلتزم بأي من تعهداتها المترتبة على نقل البنك المركزي إلى عدن..!
بحسب مبادرة ولد الشيخ فإنه يربط مصير 80% من اليمنيين يتكتلون في مدن ومناطق تعتمد على ميناء الحديدة كشريان وحيد، بمدى قبول الأطراف وتوافقها الغير محتمل، فيما المرتبات تعد مصدر الدخل الوحيد الذي تعتمد عليه الغالبية العظمى منهم، ما يعني فشل المساعي الأخيرة، والإبقاء على معاناة اليمنيين الإنسانية بين فكي الانقلاب المزعوم والشرعية التي جلبت الحرب والحصار عليهم وعلى بلدهم..!
أي خطوة لا تتضمن خارطة طريق، ولا تتبنى قرارات أممية ملزمة تحتفظ بحق اليمنيين، سيكون فيها تخلي واضح عن الموقف الأممي المبدئي الرافض لكل أشكال الانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها الأبرياء والتلاعب بمعاناتهم التي تزداد سوءا يوما بعد آخر، وبالتالي فإن أداء الأمم المتحدة الذي يتعامل مع اليمنيون كجزء من الحرب وليسوا ضحايا، يشكل منعطفاً خطيراً في المهمة الأممية كونه يضر بسلامة مسار العمل السلمي الوحيد في حرب اليمن المنسية والتي ترعاه الأمم المتحدة وبمساعدة الدول الخمس دائمة العضوية.
تارة يتحرك الموفد الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ وهو مرغم على مسايرة الاعتبارات الاستراتيجية لخطط التحالف السعودي العسكري ومعاركه الميدانية، وتارة أخرى يظهر بتصريحات يبدي فيها مراعاته لرغبات الأطراف المتصارعة، ولهذا يرى مراقبون أن أداء ولد لشيخ يسير وفق حسابات بعيدة عن الوضع الإنساني المتردي والمتفاقم.
مرات عديدة انحدر مسار العملية السياسية، وكان يتوقف كلياً كلما أعلنت قوات التحالف فتح جبهات جديدة وشن عمليات عسكرية أوسع الهدف منها حسم المعارك عسكرياً وإعادة هادي إلى صنعاء وفق وقت ومهلة محددة، وعندما تنتهي دراماتيكية الاشتباك الدامية إلى طريق مسدود، تعود مساعي ولد الشيخ وتطفو على السطح الإعلامي البارد مجدداً، في محاولة بائسة لإحياء عملية السلام بين أطراف النزاع ويعلن عن مباردات ومحاولات لا تأتي بجديد ولم تبتكر بدائل عملية تتجاوز سابقاتها وتلامس جوهر الأزمة اليمنية ومستوى الصراع، ويشعر اليمنيون أنها أكثر جدية في وضع حد لمآلات الحرب الكارثية التي يدفعون ثمنها الباهض..!
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا